تستدعي
فكرة الجمال الكثيْر من التأملِ، ففيها أبعادٌ مختلفةٌ ومقاييسُ متباينةٌ،
سواءٌ على المدارس الفكريةِ أم المذاهبِ الفنيةِ أم الواقع الحياتِي.
ولكن دعونا نبدأ مع حكاية الأصمعي:
قال الأصمعي: بينما أنا أسيْرُ في البادية إذ مررت بِحجرٍ مكتوبٍ عليه هذا البيتٌ:
أيا معشرَ العشَّاقِ باللهِ خبِّرُوا ** إذا حلَّ عشقٌ بالفتَى كيف يصنعُ؟
فكتبْتُ تَحته:
يُداري هواهُ ثُمَّ يكتمُ سـرَّهُ** ويَخشعُ في كلِّ الأمورِ ويَخـضعُ
ثُمَّ عدْتُ في اليوم الثانِي فوجدت مكتوباً تحته:
فكيفَ يداري والهوى قاتلٌ الفتَى؟ ** وفِي كلِّ يوم قلبه يتقطَّـعُ
فكتبْتُ تَحته:
إذا لم يَجدْ صبْراً لكتمان سرِّهِ **فليسَ له شيءٌ سوى الموت أنفَعُ
ثُمَّ عدْتُ في اليوم الثالثِ فوجدْتُ شاباً ملقَىً تَحت ذلك الحجرِ ميتاً وقد كتبَ قبل موته:
سَمعْنا وأطعْنا ثُم متْنا فبلِّغُوا ** سلامي على من كانَ للوصلِ يَمنعُ
والآن: إذا سلمنا بصحة الرواية واقتنعْنا بِها، فهل هذا الشاب أحْمق؟ أم مجنون ؟ أم عاشقٌ عجيبٌ؟
******************************
نقرأ عن تدلُّهِ العذرييْنَ وهيامهم الشديد، وبعضهم هلك لأنَّهُ أُقصيَ عن
محبوبتهِ، فهل يمكننا القول: لو تَمكن جميل من الزواج ببثينة أو قيس من
ليلى فهل ستبقى نارُ الغرام متقدةً كما كانت ؟ أم أنَّ الحرمانَ هو الذي
فعل فعله، فأجْلَى قلوبَهم في مسافاتِ الهوَى فأبدعوا ؟!
******************************
تسلتفتنا ظاهرة الجمالِ في أسطورة بيجماليون الإغريقية، فبيجماليون نَحات
أبدع تَمثالاً لامرأةٍ رائعة الجمال وتَمنَّى من الآلهة الإغريقيةِ أن يصبح
بشراً، فاستُجيبَ طلبهُ واستحال التمثالُ امرأةً ولكنه ما إن رآها غارقة
في المطبخ والعمل المنْزلي حتَّى فقدت معظم جَمالها فتمنَّى عودتَها كما
كانت !
فهلِ المسافة بين الجمال والواقع شاسعة؟
أم أن الجمال في الواقع يختلف عنه في الفنتازيا؟
أم أنَّ صورة الجمال في أحلامنا وخيالاتنا تَختلفُ عن واقعنا؟!
وهنا نتذكرُ قصةً أخرى:
يُروى أنَّ أحد خلفاء بنِي أمية نزل الصحراء وبلغ مضارب بنِي عذرة، فقال : هاتوا لي ليلى التِي هلك المجنون بِحبها !
فلما جاؤوا بِها وجدها عجوزاً سمراء عجفاء - نحيلة - فقال لها :
ما الذي أعجب المجنون فيكِ ؟
فقالت : ( كان يجب أن ترانِي بعيْن المجنون وقلبه لا بعينك أنت !!)
وهذا تلخيص رائع للنسبية فِي قضية الجمال !
******************************
قال فلاسفة الشرقِ: الكلُّ يبحث عنْ نَموذج الجمال الذي يهواه ويلهث وراءه،
ولكنه لن يجده حقيقةً لأنَّ الجمال الحسي لا قيمة له إنْ قُورن بالجمال
الروحي !!
نستدعي قصص الخيالِ والكوميكس الذي صورها، فنَرى في سندريلا وبياض الثلج
نَموذجاً صارخاً للأنثى رائعة الجمال، ولكن أين هي في الواقع؟ ولو وجدناها
فهل ستكون لنا ؟
طرفةٌ في هذا المجالِ: قضى رجلٌ سنواتٍ يبحث عن المرأة النموذج الكامل له، وبعد عشر سنين لقيه صاحبه وسأله: ألم تَجدها؟
قال: نعم !
قال : لِمَ لَمْ تتزوج بِها ؟
قال : لم تجدْ بِي الرجل المثالِي لها !!
ونعود لنتساءلَ: هل نحُقق الجمال كما نريد أم كما هو أم كما ينبغي أن يكون عليه؟!
******************************
فكرة: هو البحث عن القيمة الإثرائية لحياتنا وجعل هدف سامٍ لها والسعي لتحقيقه.
الجمال هو ما نقيسُه علَى من حولنا ونقتبسه من المخلوقات ونحققه فعلاً، لا
كما نتوهم أنَّهُ سيكون، فكل شيءٍ حولنا جميل وفيه جَمال مستتِرٌ وراء
مظهره - لو كان قبيحاً -
ولكننا عادةً ما نبحث أو نرى الجانب السيئ والقبيح وحسب !!
******************************
جوهر: الحق أنَّ الروح هي الجوهر، وهي معدنُ الجمال الحقيقي ويذكِّرنَا هذا بقول الشاعر:
غريبٌ على باب الرجاء قريــح *** يناديك موصول الجوى وينوحُ
يهونُ عذاب الروحِ والجسمُ سالمٌ *** فكيف وروحُ المستهامِ جروحُ
وربَّما من قبيل المداعبة وحسب نقول كما قال العوام :
( يا من أخذ القرد على ماله، بيْروح المال ويبقى القرد على حاله )
والقصد أنَّ من يبحث عن الأعراض دون الجوهر هو خائبٌ في نِهاية المطاف !!
الجمال تذوقٌ: كلٌّ يتذوق الجمالَ بِما أوتِيَ من قدرةٍ وفَهمٍ وثقافةٍ،
فكم من أناسٍ رأوا الجاحظ فأرعبهم شكله ونفروا منه، ولما جالسوه واغترفوا
من فيض علمه وفكاهته عشقوه.
لذا لا يَجب الحكم على الأشياء من ظاهرها أو لأول وهلةٍ !!
إنَّ الجمال والجميل شيءٌ واحدٌ كما يقول أحد فلاسفة الغرب، والماهية في
تحقيقه لا بالشكل بل بالخلق والعمل، والإشكالية في المسافة بين الجمال
المطلق والواقع !!
فكرة الجمال الكثيْر من التأملِ، ففيها أبعادٌ مختلفةٌ ومقاييسُ متباينةٌ،
سواءٌ على المدارس الفكريةِ أم المذاهبِ الفنيةِ أم الواقع الحياتِي.
ولكن دعونا نبدأ مع حكاية الأصمعي:
قال الأصمعي: بينما أنا أسيْرُ في البادية إذ مررت بِحجرٍ مكتوبٍ عليه هذا البيتٌ:
أيا معشرَ العشَّاقِ باللهِ خبِّرُوا ** إذا حلَّ عشقٌ بالفتَى كيف يصنعُ؟
فكتبْتُ تَحته:
يُداري هواهُ ثُمَّ يكتمُ سـرَّهُ** ويَخشعُ في كلِّ الأمورِ ويَخـضعُ
ثُمَّ عدْتُ في اليوم الثانِي فوجدت مكتوباً تحته:
فكيفَ يداري والهوى قاتلٌ الفتَى؟ ** وفِي كلِّ يوم قلبه يتقطَّـعُ
فكتبْتُ تَحته:
إذا لم يَجدْ صبْراً لكتمان سرِّهِ **فليسَ له شيءٌ سوى الموت أنفَعُ
ثُمَّ عدْتُ في اليوم الثالثِ فوجدْتُ شاباً ملقَىً تَحت ذلك الحجرِ ميتاً وقد كتبَ قبل موته:
سَمعْنا وأطعْنا ثُم متْنا فبلِّغُوا ** سلامي على من كانَ للوصلِ يَمنعُ
والآن: إذا سلمنا بصحة الرواية واقتنعْنا بِها، فهل هذا الشاب أحْمق؟ أم مجنون ؟ أم عاشقٌ عجيبٌ؟
******************************
نقرأ عن تدلُّهِ العذرييْنَ وهيامهم الشديد، وبعضهم هلك لأنَّهُ أُقصيَ عن
محبوبتهِ، فهل يمكننا القول: لو تَمكن جميل من الزواج ببثينة أو قيس من
ليلى فهل ستبقى نارُ الغرام متقدةً كما كانت ؟ أم أنَّ الحرمانَ هو الذي
فعل فعله، فأجْلَى قلوبَهم في مسافاتِ الهوَى فأبدعوا ؟!
******************************
تسلتفتنا ظاهرة الجمالِ في أسطورة بيجماليون الإغريقية، فبيجماليون نَحات
أبدع تَمثالاً لامرأةٍ رائعة الجمال وتَمنَّى من الآلهة الإغريقيةِ أن يصبح
بشراً، فاستُجيبَ طلبهُ واستحال التمثالُ امرأةً ولكنه ما إن رآها غارقة
في المطبخ والعمل المنْزلي حتَّى فقدت معظم جَمالها فتمنَّى عودتَها كما
كانت !
فهلِ المسافة بين الجمال والواقع شاسعة؟
أم أن الجمال في الواقع يختلف عنه في الفنتازيا؟
أم أنَّ صورة الجمال في أحلامنا وخيالاتنا تَختلفُ عن واقعنا؟!
وهنا نتذكرُ قصةً أخرى:
يُروى أنَّ أحد خلفاء بنِي أمية نزل الصحراء وبلغ مضارب بنِي عذرة، فقال : هاتوا لي ليلى التِي هلك المجنون بِحبها !
فلما جاؤوا بِها وجدها عجوزاً سمراء عجفاء - نحيلة - فقال لها :
ما الذي أعجب المجنون فيكِ ؟
فقالت : ( كان يجب أن ترانِي بعيْن المجنون وقلبه لا بعينك أنت !!)
وهذا تلخيص رائع للنسبية فِي قضية الجمال !
******************************
قال فلاسفة الشرقِ: الكلُّ يبحث عنْ نَموذج الجمال الذي يهواه ويلهث وراءه،
ولكنه لن يجده حقيقةً لأنَّ الجمال الحسي لا قيمة له إنْ قُورن بالجمال
الروحي !!
نستدعي قصص الخيالِ والكوميكس الذي صورها، فنَرى في سندريلا وبياض الثلج
نَموذجاً صارخاً للأنثى رائعة الجمال، ولكن أين هي في الواقع؟ ولو وجدناها
فهل ستكون لنا ؟
طرفةٌ في هذا المجالِ: قضى رجلٌ سنواتٍ يبحث عن المرأة النموذج الكامل له، وبعد عشر سنين لقيه صاحبه وسأله: ألم تَجدها؟
قال: نعم !
قال : لِمَ لَمْ تتزوج بِها ؟
قال : لم تجدْ بِي الرجل المثالِي لها !!
ونعود لنتساءلَ: هل نحُقق الجمال كما نريد أم كما هو أم كما ينبغي أن يكون عليه؟!
******************************
فكرة: هو البحث عن القيمة الإثرائية لحياتنا وجعل هدف سامٍ لها والسعي لتحقيقه.
الجمال هو ما نقيسُه علَى من حولنا ونقتبسه من المخلوقات ونحققه فعلاً، لا
كما نتوهم أنَّهُ سيكون، فكل شيءٍ حولنا جميل وفيه جَمال مستتِرٌ وراء
مظهره - لو كان قبيحاً -
ولكننا عادةً ما نبحث أو نرى الجانب السيئ والقبيح وحسب !!
******************************
جوهر: الحق أنَّ الروح هي الجوهر، وهي معدنُ الجمال الحقيقي ويذكِّرنَا هذا بقول الشاعر:
غريبٌ على باب الرجاء قريــح *** يناديك موصول الجوى وينوحُ
يهونُ عذاب الروحِ والجسمُ سالمٌ *** فكيف وروحُ المستهامِ جروحُ
وربَّما من قبيل المداعبة وحسب نقول كما قال العوام :
( يا من أخذ القرد على ماله، بيْروح المال ويبقى القرد على حاله )
والقصد أنَّ من يبحث عن الأعراض دون الجوهر هو خائبٌ في نِهاية المطاف !!
الجمال تذوقٌ: كلٌّ يتذوق الجمالَ بِما أوتِيَ من قدرةٍ وفَهمٍ وثقافةٍ،
فكم من أناسٍ رأوا الجاحظ فأرعبهم شكله ونفروا منه، ولما جالسوه واغترفوا
من فيض علمه وفكاهته عشقوه.
لذا لا يَجب الحكم على الأشياء من ظاهرها أو لأول وهلةٍ !!
إنَّ الجمال والجميل شيءٌ واحدٌ كما يقول أحد فلاسفة الغرب، والماهية في
تحقيقه لا بالشكل بل بالخلق والعمل، والإشكالية في المسافة بين الجمال
المطلق والواقع !!